بقلم/تسنيم طه
لأن
المواضيع كانت تستهويها، ظل قلمها طوع حروفها ورهن
اشارتها، ينزلق منها انزلاقًا، فيسبقها فتلحق به، فتنتصر عليه دون حاجة للتوقف
لالتقاط أنفاسها أو ترتيب افكارها.
فبعد سنواتٍ من العمل الدؤوب بلا كلل أو ملل من البحث
والكتابة والنشر، نجحت في صقل موهبتها. وبفخرٍ استمرت في مناقشة ما تكتبه وتنشره
مع صديقاتها وأهلها. وأنا.
لكن منذ أسبوعين تغيرت أحوالها. وأصبحت تعيش في أرقٍ وعصيبة،
وتقضي الليل ساهرةً ساهدةً، تتجول بين الصفحات على شبكة الانترنت بقلقٍ ذكرني بذلك
القلق القديم الذي انتابها عندما صممت تغطية الآراء حول موضوع انفصال الجنوب لتثبت
لمدير التحرير جدارتها المهنية.
في الماضي عندما لاحظت ارتجاف أطرافها وهي تحدثني عن
تفاصيل مقالاتها المستقبلية، حاولتُ تثبيط همتها لكي أثنيها عن الاسترسال في
القلق، بالتعليل بأنه مادامت تعاني من تجميع الأفكار، فهذا يعني أن إن كتابة
المقالات السياسية لا تناسبها.
ذلك اليوم، حدجتني بنظرة عتابٍ، قبل أن تهز كتفيها بعدم
اكتراث، لتقول بإصرار بأنها لن تستسلم ما دام قاموسها لا يحتوي على كلمة
"مستحيل".
فقررت استخدام طريقة أخرى غير الإحباط، بدأتُها بالثناء
على مقالاتها السابقة، التي نجحت في كتابتها بسلاسة ودون تعب، فالتمعت عيناها
فخرًا شجعني على الاسترسال في إطراء مقالاتها الأخيرة المتناولة لأربعة من ممالك
السودان القديمة (علوة في سوبا، والمغرة في دنقلا، والفونج في سنار، وكوش في
مروي).
ولما أحنت رأسها دلالًا زاد من التماع الزهو في رعينيها،
نقلتُ لها اعجاب والدي بطريقتها المميزة في الكتابة، وبمدحه لبراعتها في تصوير موقع
المصورات الصفراء ومعبد "أبادماك"، إله الحرب عند النوبيين وسلسلة
الكثبان الرملية المنتشرة حول أهرامات البجرواية، حيث ازدهرت في الماضي، مملك نبتة
وكوش وكرمة ومروي، والتم شمل ملوك عظماء مثل تِرهاقها وبَعانْخِي الذين امتد نفوذ
ملكهم عبر مصر القديمة حتى حدود فلسطين.
ولما اتسعت ابتسامتها الواثقة، وتوهمتُ بأنها
اللحظة المناسبة لتنفيذ خطتي، دخلتُ في لب الموضع وسألتها لماذا لا تجرب الكتابة
في مواضيع الثقافة والفولكلور، بعد نجاحها في كتابة التاريخ.
وعند ملاحظة اتساع حدقتها فضولًا، قلتُ لها بأنني سأصحبها
معي في المرة القادمة إلى نيالا، لتشاهد بأم عينها رقصات "الكنقا"
و"الجارو" وغيرها من الرقصات الشعبية المنتشرة في جبال النوبة، لتعود
مشبعة بالتراث والتاريخ والفلكور، فتكتب مقالًا تاريخيًا عن سلطنة
"الداجو"، لا محالة ستتقنه كما أتقنت ببراعة تصويرها لموقع المصورات
الصفراء ومعبد الإله الكوشي "أبادماك".
في تلك الفترة، كنت أتابع قضية شاب تورط في جريمة قتل،
أثناء مشادات كلامية حول أحد المشاكل القائمة بين قبيلتي المعاليا والرزيقات. ففي
تلك الأنحاء تكثر المشاكل القبيلة التي يروح فيها كثير من الشباب ضحايا للنعرات
القبلية والتهور، نتيجة امتلاكهم على الدوام لسلاح أبيض أو ناري، ينغرس أو ينطلق
في صدر الخصم في لحظة غضب.
ذلك اليوم، فاجأتني بأنها لم تسمع من قبل عن شعب الداجو،
رغم قراءتها الواسعة في ثقافات الشعوب. ثم طلبتْ مني أن أحدثها عنهم قليلًا.
فابتسمتُ بزهوٍ، وعملتُ بأنه لم يخامرها شكٌ في نواياي.
وبثقة أخذتُ أحدثها شارحًا لها بأنهم أحد شعوب غرب وادي
النيل، الذين يعتبرون أن مملكتهم هي امتدادًا لمملكة "مروي" المدمرة
بواسطة غزو مملكة "أكسوم" نحو عام 350م، اضطروا بعدها للتوجه جنوبًا في
فازوغلي، فالجنوب الغربي، في كردفان الحالية.
وتحمستُ وأنا الاحظ حدقاتها تتسعان وهي تتابع شرحي
وتعديدي للسلاطين الذين تعاقبوا على حكم السلطنة على مدار سبعة قرونٍ: ابتداءً من
"شات دايم" و"دينقا" مرورًا بـ"طقت" والسلطان
"أحمد"، وانتهاءً بالسلطان "عمر أمني"، آخر السلاطين المقلب
بـ"كسفروك"، والمتسبب في سقوط مملكة الداجو.
ولما صمتُ هنيهة لالتقاط أنفاسي، عقدت ذراعيها أمام
صدرها وطالبتني بنفاذ صبر، أن أقص عليها حكاية زوال ملكه. فتحمسُ أكثر وأنا أروي الأسطورة
القائلة بأن السلطان الطاغية كان قد أقام في قصور "ناري"
و"كالكوتنج" و"كندير" في قمة "جبل مَرَّة" قبل أن
يستقر في جبل "كيلو" شرق نيالا، حيث قرر تكملة سلسلة جبال
"الداجو" التسع وتسعين إلى مائة جبل. فأمر شعبه بنقل جبل "أم
كردوس" من شرق مدينة "نيالا البحير" ليضموه إلى سلسلة الجبال. فكانت
النتيجة هلاك الكثير من أفراد الشعب، تارة بسبب سقوط الحجارة عليهم، وتارة أخرى
لدغات الثعابين والعقارب التي أفزعها تحريك الحجارة الضخمة وأخرجها من
أوكارها.
ورغم تلك المخاطر ظل السلطان متمسكًا برأيه في نقل جبل
أم كردوس إلى بقية الجبال.
وهنا فطنت زوجة السلطان إلى أن رغبات زوجها ستهلك الشعب،
فقررت التخلص منه. فأتت بحَكَّامة، واتفقت معها على ترديد أبيات من الشعر لتتغنى
بها للسلطان، أثناء احتفال كبير رتبته ودعت إليه كافة الشعب. وفي اليوم الموعود،
أطاعت الحَكَّامة[1]،
وأنشدت الأبيات بلغة الداجو:
سلطان كسفورك دا ملك الملوك وقائد الشجعان،
مابيركب بعير، ما بيركب فرس زي الناس الهوان،
سلطان كسفورك بيركب فرنديت التيتل ملك الغزلان.
ولما أحست الزوجة أن الحماسة قد ملأت زوجها، طالبته
بامتطاء "تيتل" أمام الجموع موضحة له ما دام أن أشعار
"الحَكَّامة" قد أوضحت بأنه لا يركب فرسًا أو بعيرًا كبقية الناس الهوان.
فأمر السلطان بإحضار "تيتل". فأطاع الخدم وأحضروا
الحيوان قبل أن يسرجوه بسرج السلطان الملكي، ويقربوه من السلطان المملوء بالحماس. لكن
الحيوان البرِّي، غير المعتاد على ركوب البشر على ظهره، تملص ولم يثبت في مكانه
وكاد أن يطرح السلطان أرضًا.
ولما رأت الزوجة تخوف السلطان وخشيته من أن يفضحه
الحيوان أمام رعاياه، نفذت آخر خطوات الخطة، ونصحته بأن يُربطوه بحبالٍ لكي يثبتوه
على ظهر الحيوان. فوافق دون أن يخامره شكٌ في نواياها.
وهكذا أنقذت الزوجة الذكية شعبها.
فما أن تم إطلاق سراح "التيل"، حتى أندفع
مهرولًا قافزًا راكضًا بالسلطان في جميع الاتجاهات، صادمًا به الأشجار والجبال إلى
أن قطعه إربًا إربًا. لتكتمل الأسطورة بقول إنه في كل أرضٍ سقط جزء من جسده، أنشأ
الناس الفرحين بالخلاص قريةً".
صفقت لي زوجتي، وهتفت بكلمة "برافو"، قبل أن
تهديني ابتسامة واسعة افهمتني أنها اكتشفت أخيرًا خطتي في إلهائها عن المضي قدمًا
في كتابة المقالات التاريخية.
ولكي تغلق النقاش، رفعت حاجبها الأيسر بتحدٍ وأعادت
شعارها القديم، بأنه مادام قاموسها لا يحتوي على كلمة "مستحيل"، فإنها
ستواصل في طريقها رغم الصعوبات، وستنجح في كتابة مقال ناجحٍ يتناول بتفصيل
"الأسباب السياسية لانفصال جنوب السودان"، لكي تحقق حلمها وتترقى من
مجرد صحفية متدربة تكتب عمودًا ثقافيًا كل شهرين مرة، إلى صحفية تستحق أن تتقلد
منصب رئيس التحرير.
فكانت تلك الحادثة هي أول خطوة في سلم نجاحها الوظيفي.
ومنذ ذلك اليوم فهمت بأنني لن أستطيع تغيير رأيها في أمر هي مقتنعة به.
فخلال سنوات زواجنا الثماني، جاهدتُ كثيرًا لكي أقنعها
بالتخفيف من حدة طموحها المهني، لكي تتفرغ قليلًا للبيت بدل ترك جميع المهام
للخادمة الحبشية، ولكي تتوقف عن رفض الخروج معي في المناسبات الاجتماعية متحججة بواهي
الحجج لتبقى في البيت لمراجعة مقالًا ستنشره في الغد، أو الانكفاء على مواقع
الانترنت لتجهيز مقالات أخرى.
وهكذا تركتها وشأنها لما أدركتُ أن عنادي وعنادها، إن
اجتمعا، لا بد أن يقطعا الحبل الذي بيننا، فأعود أجد نفسي وحيدًا من جديد أبحث عن
نبرة صوت أنثى يدفئني ليلًا ويطرد عني الارق عبر مكالمات هاتفية سطحية.
فنحن الرجال، لكي نحصل على تلك الأنثى نتبع سبلًا شتى: هناك
من ينتهج الكذب ويستخدم الكلام المعسول للإيقاع بالفتيات البريئات في حباله لكي
يوافقن على تلك المكالمات الليلية، ومنا من لا تكفيه تلك الأصوات التي تساعده
لبلوغ النشوة بمفرده، فيتجرأ ويغوي ويطارد حتى ينجح في الحصول على التحام حقيقي.
وهناك من، عندما لا يجد لا هذا ولا ذاك، تدفعه هرموناته الفائرة لاتباع قانون
الغاب والتحول إلى صياد يلتهم فريسته دون اذن أو مشاورة، ويلاحقها كما يفعل أسد جائع
بالانقضاض على غزالة.
وكنت محظوظًا لتوقفي سريعًا عن استخدام تلك الطرق
الملتوية، عندما أرسل لي القدر هذه الزوجة التي تقبلتني رغم ماضي غير المشرف مع
الجنس اللطيف، بحجة أنها تحبني، وبأن الحب يَجُبُّ ما قبله.
لذلك حافظت
عليها ولم أرضخ لكلام أمي لأتزوج بأخرى تنجب لي، بدل قضاء الوقت في الذهاب لأطباء
النساء والتوليد بحثًا عن الإنجاب من امرأة طموحة لن تحقيق لي حلمي بأن أعود للبيت
لأجد زوجة متزينة متطيبة تنتظرني بلهفة، وتتحرك بنشاطٍ كنحلة وسط مزيج من روائح البخور
والعطور وبهارات الكفتة والمحشي والأكل الشهي، بدل أن أمر عليها في مكان عملها
بسيارتي كل مساء لنعود سويًا البيت.
وهكذا تابعت زوجتي وهي تحقق حلمها وتصبح صحفية لا يشق
لها غبار، بعد أن تمرست وتمرنت في كتابة المقالات، بسلاسةٍ وسرعةٍ لا تتجاوز مدة
قضائي أمسيةً أمام التلفاز لمشاهدة فيلمٍ على قناة "روتانا زمان" أو
قناة MBC2.
لكن اليوم، وبعد مرور ثماني سنوات، وتعودي على
مصاحبة حسرتي، مكتفيًا بلحظاتٍ حميمة صادقة كل شهرٍ مرة أو مرتين، ها أنا ذا أعود
أقلق من جديد عليها، عند ملاحظة تضاعف قلقها وتوترها وأرقها بعد أن أكلفها مدير
التحرير، بتغطية إعلامية شاملةٍ قد تتطلب تواجدها في ميدان ساحة الاعتصام أيامًا
بأكملها، وربما بلياليها.
ورغم خوفي عليها، ظللتُ أراقبها من بعيدٍ حتى لا أؤثر
عليها، فأزيد من تشوشها، فيقلل ذلك من جدارتها في اتخاذ القرارات، ويحرمها متعة
التلذذ بنشوة الانتصار على صعوبات مهنتها التي تمجدها حتى القدسية، ولا ترضى بالتقصير
في واجبها تجاهها حتى وإن كانت حامل في الشهور الأخيرة.
لكن أبريل هذا العام، لم يكن كبقية "الأباريل"،
ولا يشبه إلا ذلك الذي أطاح بحكم الرئيس جعفر النميري، وغنى له صلاح مصطفى
"جددناك يا أكتوبر في أبريل".
لذلك لم تكن زوجتي المثابرة الطموحة لتتركه ينساب من بين
أيديها دون أن تمسك بأمجاده، وتزين بتقاريرها صفحات الصحيفة وقلوب الشعب بتسلطيها
الضوء على ساحة الاعتصام بعد تنحي الرئيس، وما تلاها من تبعيات من إصرار الشعب على
مواصلة الاعتصام، حتى يستجيب المجلس العسكري لمطالبه ويسلم السلطة للمدنيين.
وواصلت تغطياتها الإعلامية وأرقها وإهمالي.
وتقبلتُ الوضع بدون تضجر أو شكوى، متناسيًا أحلامي
القديمة في تحويل زوجتي إلى ربة منزل بجدارة تدللني بتجريب طبخات بنكهات عالمية
وبهارات وتوابل مستوردة، ووصفات من مطابخ "منال العالِم" و"أسامة
السيد"، وترقص لي في الأمسيات كالراقصات المصريات، وتقص عليَّ قصصًا شيقة
كتلك التي حكتها شهرزاد لشهريار في "ألف ليلة وليلة".
ولأتناسى تكرر خيباتي، ركزتُ كل جهودي في العمل بين
ملفات القضايا الجنائية، أملًا في أن يكون قدوم الطفلة بعد أشهرٍ سببًا في تحقيق
حلمي برؤية زوجتي تنشر حضورها الأنثوي في البيت، وتنتظرني عند العودة من العمل،
بدل أن أمر عليها بسيارتي كل يوم، لنعود سويًا مرهقين منهوكي القوى.
لكن يبدو أن الأحلام تتحقق أسرع عندما نفك الارتباط بها.
فذات صباحٍ، ولما استيقظتُ ولم أجدها بقربي، وكنتُ
متأكدًا بأنها تعمل في غرفة المكتب، وتجهز مقالًا أو ترتب لتغطية ميدانية جديدة
تتناول تطورات الاعتصام أمام القيادة العامة، تفاجأتُ بوجودها في المطبخ، تدندن
أغنية "الشجن الأليم" الصادرة من راديو "الرابعة" بصوت الفنان
مصطفى سيد أحمد، أثناء صبها للشاي بالحليب في التيرمس الذهبي بجوار صحن
"الزلابية".
فوقفتُ وراءها وطوقتها بحنانٍ، ثم دعوت لها
بالتوفيق في التغطية التي تشغلها وتشغل جميع السودانيين، وهم يتابعون الثوار
المواصلين اعتصامهم في انتظار أن يسلم الجيش السلطة للمدنيين.
لكنها فاجأتني باستدارة غنجة، لتهديني ابتسامة واسعة ولمعانا
من عينيها الحنونتين، سبقا افصاحها عن قرارها بالتوقف عن الكتابة في المواضيع
السياسية، بل وأخذ فترة راحة من العمل في الصحافة بأكملها.
فانتابني قلقٌ وخامرني شكٌ في أن تكون قد تعرضت لتهديدات
أو مضايقات. فأبديتُ خوفي عليها، فطمأنني بأن قرارها نابعٌ من داخلها، عند تأملها لحالها
واكتشاف أن تدهور حالتها الصحية والنفسية وازدياد تقلصات الجنين في رحمها ناتجٌ من
انغماسها في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي.
فعانقتها بقوةٍ وفرحٌ عارمٌ غمر صدر الرجل الشرقي في
داخلي، الحالم منذ سنواتٍ تسعٍ بأن يسمع زوجته تخبره بقرارها التفرغ له ولإدارة
مملكتها المنزلية. ثم عبرتُ عن امتناني لقرارها وعقبتُ لأغريها بالعودة لكتابة
المقالات التاريخية، على أن يكون موضوع مقالها القادم، بعد العودة للعمل، عن ملكة
سبأ، للبحث في جدلية انتمائها لمملكة "كوش"، لتكون مدخلًا للحديث عن
محاربات المملكة الكوشية، وخاصة الكنداكة أماني ريناس أو أماني شاخيتو، وقصة دحرهما
لتقدم الإمبراطورية الرومانية داخل السودان.
فطالعتني بذهولٍ واستنكرتْ:
- جبريل أنتي جادي؟ عايزني أكتب عن
الكنداكات؟
فتراجعتُ للخلف وأخذت اتفرس في ملامحها المستغربة
وأتساءل أي خطأ فادحٍ ارتكبته باقتراحي ذاك. ولما طال صمتي، تقدمت مني خطوةً
وأمسكتْ بيدي، وقالت وهي تنظر في عيني، بأن تناولها لموضوع "الكنداكات"
سيعيدها سيرتها الأولى لتناول المواضيع السياسية. فواصلتُ التحديق فيها بدهشة،
فابتسمت وسألتني ممازحة:
-
انت
ما عارف انو أغلب الثوار من الكنداكات؟
فظللتُ في صمتي عاجزًا عن التعبير عن امتناني وفرحي بصدق
قرارها. فبادرت بكسر الصمت، لتخبرني وابتسامة تضيء وجهها المليح، بأنها ستحقق لي
حلمي وستدخل الكنداكات في حياتنا، إن وافقتُ على
تسمية ابنتنا "كنداكة"، حتى لا تنسى أنها شهدت معها من
وراء ظلمات الأجنة تغطياتها الميدانية للثورة السودانية طوال خمسة أشهر منذ
اندلاعها في ديسمبر 2018.
فعانقتها من جديد، وقلت بفرحٍ طفولي:
-
أكيد موافق يا أجمل زوجة، يا كنداكة[2]
يا أصيلة.
**-**
باريس/ 29 مايو2019
19:03
[1] الحَكَّامة
هي امرأة ذات مكانة عالية في مجتمع غرب السودان الريفي من مناطق كردفان ودارفور،
ولها دور في تدبير أمور المجتمع على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، كما تساهم في
وضع قوانين وأسس المجتمع في الشجاعة والكرم والأخلاق عبر اشعارها وأناشيدها
وأقاويل مرتجلة تنطق بها، وتلعب دور مهمًا في الوساطة في حل الخلافات والنزاعات
وإيقاف الحروب.
[2] كَنْدَاكَة هو
لقب الملكات الحاكمات أو مسمى يعني الزوجة الملكية الأولى في حضارة كوش
الإفريقية القديمة ببلاد السودان والتي عرفت أيضاً باسم الحضارة النوبية أو
أثيوبيا التي تعني أرض السود أو السودان، وقد ذكر الاسم في الجديد الجديد أو
الإنجيل في قصة حارس كنوز الكنداكة ملكة إثيوبيا وهو عائد من
أورشليم بعد أن عمده القديس فيليب الأنجيلي عندما أمره ملاك الرب في
رؤيا أن يذهب إلى الجنوب من أورشليم وغزة إلى الصحراء. الجدير بالذكر أن
كلمة أثيوبيا في العهد القديم والعهد الجديد تشير إلى أرض السودان الحالية، لا إلى
أثيوبيا الحالية، وبعض ترجمات التوراة والإنجيل اليونانية تورد اسم السودان كما
هو. (ويكبيديا)