في البداية، عندما رأيتها تندفع نحوي بعينين
محمرتين، خُيل إليّ أن دموعها ناتجة عن تقشير البصل اثناء تجهيزها لـ "مُلاح
التَّقَلِيَّة"، الذي تعودت تحضيره لنا كل أسبوع لنتناوله سويا مع ابنتيها
قبل خروجي لصلاة الجمعة. لكن لما اقتربت أكثر قبل أن ترمي بورقةِ "الفولسكاب"
على حِجْري، أدركتُ أنني أخطأت التقدير.
سرت في جسدي قشعريرة، أثناء بلعي لريقي، قبل ان أسألها بتوجسٍ
عن الخطب، رغم معرفتي بأسباب نيرانها الداخلية التي أبت أن تخمد.
طالعتني بجمرتين متورمتين، أثناء تناثر اللعاب من شفتيها
الجافتين وهي تغلظ القسم بأنها لن تترك حق ابنها يضيع، وبأنها لا محالة واجدة
قاتله لتلوك كبده.
تنهدتُ بعصبية ثم قلتُ بيأسٍ:
- وإن تعفوا خيرٌ لكم. و.....
فقاطعتني بصوتٍ تخنقه العبرات:
- "ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب".
ألجمني ردها السريع؛ فلم أدرِ أي حجة يمكنها أن تجنبني رؤيتها في
نوبة انهيار عصبي جديد.
بقلبٍ كفطور، تفرستُ في وجهها الشاحب طويلًا، ثم أبديتُ
استنكاري من ألا يكون حجها لبيت الله الحرام وطوافها بالكعبة المشرفة وزيارة قبر
النبي، قد نجحا في طمأنة قلبها؛ حتى يتقبل قضاء الله وقدره. فارتفع
نشجيها، أثناء تهاويها جالسة على الأرض عند قدمي.
فقدتُ رباطة جأشي مع استشعار تدافع جيوش الحزن نحو وديان روحي،
كتدافع الماء نحو السهل من أعلى جبل.
مرت لحظات كأنها دهرٌ وأنا في وجومي وحزني واحساسي بالعجز أمام
دموعها المتساقطة بغزارة؛ مبللة في انسيابها خديها وصدرها والتراب الذي تحتها،.
ولم أخرج من توغلي نحو غابات الإكتئاب إلا مع توقف هدير محرك
الركشة، وارتفاع صوت معاوية متسائلا:
- في شْنُو يا خالة سُكَيْنَة مالك بتبكي كدة؟ ومالك قاعدة في
الواطة؟ سأل معاوية مستنكرًا فور قفزه من مركبته الصغيرة.
لكن ابنتي لم تتفاعل مع سؤال صديق ابنها الا بمزيد من الدموع.
اقترب منها ببطء ثم انحنى ليهزها من كتفها، ظانًا أنه سيخرجها من حالة الوجع التي
عجزت أن أفعل حيالها شيء.
لكنها ظلت تنوح منكسةً رأسها، إلى أن هزها مرة ثانية، متوسلًا
إياها أن تكف عن البكاء لتخبره عن الخطب.
فهبتْ واقفة، وخطفت ورقة "الفولسكاب" من يدي قبل أن
أكون قد ألقيت عليها نظرة، ومدتها له بيدٍ راجفةٍ، وصدرٍ يعلو ويهبط من النشيج.
أمسك معاوية بالورقة ومسحها ببصره سريعًا، ثم عاد يتفرس في وجه
والدة صديقه بارتباك تضاعف، عندما أخرجتْ سُكَيْنَة صوتًا مخنوقًا بالعبرات،
لترجوه أن يوصلها بـ"رَكْشَتِه" إلى القصر الجمهوري الآن، لتسلم مذكرتها
لرئيس الوزراء وتطالبه بأن يأتي لها بحق ابنها.
رمقني معاوية بنظرة حيرة سريعة، ثم التفت ليوضح لها متلعثمًا
بأن اليوم الجمعة، فعقبت بنهرة متوسلة:
- إذًا بكرة من الدّغش!
فنكس رأسه ولاذ بالصمت. فظننتُ أنني سأنقذه من ارتباكه بمد
الجريدة، التي كنت أقرأ فيها لابنتي، حتى أريها الخبر المتناول لوصول رئيس الوزراء
إلى "جوبا" عاصمة جنوب السودان اليوم في رحلة ستستمر ثلاثة أيام.
ولما رمقتني بنظرة عتابٍ سبق انفجارها في نشيجٍ جديد، تيقنتُ من
عجزي أمام عنادها.
في تلك اللحظة، وفي أثناء ملاحقته لكرة القدم المتدحرجة وهي
توشك على الدخول تحت كرسي الذي أجلس عليه تحت شجرة النيم الوارفة، تفرس الطفل
اللاهث مغبر الوجه والقدمين، في وجه ابنتي المغبون باستغراب.
وما أن التقط الكُرة حتى انتصب واقفا أمامها لينشد متوسلا:
يا والدة ما تبكي.....خلي الوطن يبكي
أنا حسي بيهو حزين
هو مجرد طفل صغير في السابعة، وكل ما فعله ترديد أحد مقاطع
هتافات الثورة التي تداولتْ بين الناس بعد المجزرة.
لكن تأثيره كان كزيتٍ سُكِبَ على نارٍ كنا نحاول اخمادها.
حدجتُ الطفل بنظرة عتابٍ ووعيد جعلته يركض هاربًا وراء الكرة التي
قذفها وتبعها بسرعة، وكأنه يبرر بها انسحابه من ذلك الجو الجنائزي.
- يا خالة عليك الله ما تبكي، ولدك شهيد وهسة في الجنة. يا ريتنا
كلنا لو مشينا معاهو كان أحسن لينا من الوقوف في صفوف البنزين.
كرر معاوية توسلاته، فرفعتْ سُكَيْنَة عينيها نحوه لتطالعه بدهشة
سمرت الدموع في مقلتيها.
ولما أحس باستحواذه على اهتمامها، استرسل في الشكوى والتذمر من
معاناته اليومية بسبب ضياع وقته في الوقوف في صفوف البنزين بدل قضائه في العمل.
ولما تنهدت سُكَيْنَة بعصبية، التفتْ إليَّ نحوي وطالبني بالإدلاء بشهادتي لأحكي
لها عن ازدحام صفوف السيارات الذي صادفناه في طريقنا، حتى تفهم أن الذهاب إلى
الخرطوم في هذه الأيام سيكون ضربًا من الجنون.
تفرستُ في وجه ابنتي بيأسٍ، واسترجعت تفاصيل مشواري الصباحي:
ابتداءً من خروجي من مسجد "القُبة" بعد صلاة الفجر مع انتشار شعاع الشمس
في الأفق، وتوجهي لبيت معاوية وإيقاظه ليرافقني برَكْشَتِه إلى سوق
"بَحْري" حتى أنهي مشاويري قبل احتراق الجو بأشعة الشمس إذا ما ولى
الضحى. ثم اعتذاري منه وابداء فخري منه لتبيته ندائي ومرافقتي دون تضجر، ليس فقط
لأنه يحبني مثل جده، ولكن أيضًا لتعوده أن يطرقَّ الجيران بابهم، كلما رأوا مركبته
ذات الثلاثة اطاراتٍ واقفة أمام البيت، لكي يوصلهم أينما طلبوا التوجه، ما دام
أنهم لا يجبرونه على ارتكاب مخالفات بعبور الجسور لأم درمان والخرطوم، حتى أشتهر
بـ"تاكسي القُبَّة"، رغم كتابته على ظهر "رَكْشَته" بخط عريض
لكلمة "كّدّراوِية"، إحدى أغنيات نور الجيلاني، والقاصد هو بها خطيبته
الساكنة في حي "الكَدَرُو" بشمال الخرطوم-بَحْري.
لم أحكِ لها هذه التفاصيل، وتجاوزتها إلى لحظة وصولنا إلى
المَلَجة عند تجمع الجزارين الملطخة ملابسهم البيضاء أيديهم بالدماء، حيث استأذن
مني معاوية ليذهب ويتناول كوب شاي حليب بالزلابية (لم يتمكن من تناوله في البيت
حتى لا يؤخرني) من بائعة شاي يلتف حولها نفر من الناس. ثم وصفتُ لها لحظات انتظاري
العصيبة مع جزار أصلع صلفٍ يتدافع الناس لشراء بضاعته رغم سوء معاملته، إلى أن وصل
معاوية وأنقذني من اشمئزازي واستعجل البائع لأن يحاسبني قبل البقية لكبر سني وعدم
تحملي للوقوف في الصفوف.
وبلعتُ ريقي ثم وصفتُ معالم طريقنا، متجاوزين لجموع نساءٍ برفقة
أطفالهن، للوقوف أمامي بائعي الخضروات الطازجة لكي أنتقي له ما ستجهز به الأطباق
(محشي وكُفتة وبامية باللحم الضأني وسلطة باذنجان) لإكرام صديقة ستزورها لتناول
غداءً أخيرًا قبل أن تلحق بزوجها في الخليج.
ولما لاحظتُ أن ملامح ابنتي، لا تزال واجمة رافضة التفاعل مع
قصص، أسرعت في الانتقال إلى اللحظة التي ستدفعها للتعاطف مع معاناة معاوية، الذي
ما أن تركنا سوف "بَحْري" وراءنا، حتى أخذ يسترسل في شكوى من أوضاع البلد،
تضاعفت عندما مرورنا أمام "بلدية بحري"، ورؤية ازدياد صفوف البنزين في
طلمبة "حِلَّة حَمَد"، التي كانت تصل حتى مستشفى بحري شمالًا، لتلامس
صفوفًا أخرى أكثر طولًا، متفرعة من طلمبة الصَّبابي جنوب جامع المتولي.
وبلعتُ ريقي وأنا أستشعر تضاعف حزني على الشاب الواقف أمامي،
عند تذكر تشنج ملامحه وغضبه وهو يسب البلد ويلعنه لتعمده إهانته، ليس فقط بإهماله
توفير فرص العلم للشباب بعد التخرج، ولكن أيضًا بتعمده تكسير مجاديفه، ومنعه من
مواصلة شق طريقه بمفرده، وهو يرى طاقته تُهدر وزمنه الثمين يضيع في الوقوف في صفوف
البنزين بدل قضائه في العمل وكسب رزقٍ يمكنه من تغطية نفقات مراجع الطب لأخته
اليتيمة، وأدوية الضغط والسكري لأمه المريضة، وتوفير القليل الذي يسمح له بالزواج
مع حبيبته التي تنتظره مند أربع سنوات، وتحارب من أجله ليل نهار حتى لا تخضع
لضغوطات أهلها لكي تتزوج من رجلٍ غني يكبرها بعشرين عامًا.
وعنما رأيتُ أن وجوم سُكَيْنَة لا يتزحزح مع حكاياتي، تفاقم
شعور بالعجز من إيجاد وسيلة تعيدها سيرتها الأولى: صبوحة مملوءة بالتفاؤل والمرح،
تجمع جاراتها بحماسٍ في فناء الحوش الوسيع أو في الصالون، لاحتساء الشاي والقهوة
لتبادل الأفكار وإيجاد طرقٍ تساعدهم على تدبير معيشتهن وتنظيم وضبط
"الصندوق" أو "الجمعية"، أي المبلغ المتفق اخراجه شهريًا،
ليجمع وتتناوب على أخذه كل واحدة حسب احتياجها ليساعدها في منصرفات كبيرة كزواجٍ
أو ختانٍ أو مصاريف مدرسية وغيرها.
وتضاعف ألمي لرؤيتها تتعمد إطالة البقاء في حداد أفقدها في
ثلاثة اشهرٍ نضارة وجهها وأورثها هالاتٍ سوداء وشعرٍ أبيضٍ اشتعل فجأة فوق صدغيها،
جعلاها تبدو عجوزًا في الثمانين رغم أنها لم تتجاوز الخمسين بعد.
وأصابني الغم تحسرًا على صبرها وشجاعتها اللذان أعاناها، قبل
أربعة عشر عامًا، على التركيز في تربية بنتيها وابنها، بعد موت زوجها في أحداث
الشغب التي سادت مدينة الخرطوم عند انتشار خبر موت الزعيم الجنوبي جون قرنق.
في ذلك الوقت، وفور خروجها من عِدتها، تحزمت سكينة لتؤدي دور
الأم والأب برضى. فكانت تغسل وتكنس وتطبخ وتكوي الملابس وتراجع الدروس، وتذهب
لحضور اجتماعات أولياء الأمور في المدرسة، وتداوم في علمها في "مَحَلِّية
بَحْري"، وتواظب على زيارة المقابر وقراءة سورتي "ياسين" و
"المُلْك" على قبر زوجها، بعد تجهير وجبة الطعام الأسبوعية وتقديمها
للطلاب المقيمين في مسيد جامع "السيد علي الميرغني"، كصدقةٍ جاريةٍ على
روحه.
كل ذلك الثبات ضاع صبيحة التاسع والعشرين من شهر رمضان، بعد
انتشار خبر فض الاعتصام أمام القيادة.
ذلك الثلاثاء من شهر يونيو، دخلت سُكَيْنَة في حالة هستيرية،
لعدم معرفتها إن كان ابنها حيًا أو ميتًا. ولم تترك مشرحةً ولا مستشفىً في الخرطوم
إلا وذهبت إليها. ولما يئست من لقائه ميتًا، راودها أملٌ في أن يكون ما يزال حيًا
في إحدى زنازين العساكر أو المعتقلات السياسية. لكنها لم تكن تدري إلى أين تذهب
بعد حالة الفزع والفوضى التي سادت العاصمة المُثَّلَثة، بعد المجزرة التي تلاها
انقطاع في الانترنت، لتنقطع معه كثير من سبل الاتصال.
وانطفأت شعلة الأمل سريعًا عن قلبها، مع ظهور جثة ابنها في
منطقة "الفكي هاشم" بشمال الخرطوم-بَحْرِي، رابع أيام العيد الذي لم يكن
عيدًا، بل مأتمًا أطلق عليه اسم "عيد شهيد".
وكفنت سُكَيْنَة جثمان ابنها بصمتٍ وصبرٍ أدهشا الجميع، وكنت
الوحيد الذي أعلم أن وراء ذلك الصمت براكين لا بد وأن تنفجر يومًا.
أخرجني معاوية من سهومي بافتعال سعال، فالتفتُ نحوه وسرحتُ في
ملامحه المتقلصة، أنقب في جعبتي عن كلمات يمكنها إخراج ابنتي من كهف ظلمات حزنها
العميق. وبعد برهة، تنحنحتُ والتفت نحو سُكَيْنَة وباغتها بسؤالٍ إن كانت تظن
نفسها أفضل من رسول الله. فردت بسرعةٍ: "صلى الله عليه وسلم"، واستفهمت،
سبب افتراضي وسؤالي. فأجبت بترددٍ:
- لأن رسول الله الذي زُرتِ قبره، وتنتظرين شفاعته يوم القيامة،
فقد فلذة كبده أيضًا، وحزن وبكى، واكتفى بقول: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ
يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا
إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ".
فحدجتني بنظرةٍ لائمةٍ، ثم انفجرت في نحيبٍ أقوى، قاومتُ ألا
يُضعفني حتى أواصل:
- يا سُكَيْنة، الله لن يرضيه أن تهدري وقتك في البكاء اعتراضًا
على استرداده لأمانة أهداك إياها، فتضيعي وظيفتك في الحياة، وتحقيق خلافته في
الأرض.
ففركت عينيها بقسوة وطالعتني بجمرتين، أحرقتاني وأنا أتابع:
- صدقيني بأن هنالك كثير من النساء الثُكالى يعانين مثلك لكنهن
سلمن أمرهن لله، وآمنَّ بأن الأقدار شاءت أن تُروى هذه الأرض بدماء أبنائهن، شهداء
ثورة ديسمبر لتمهد طريق الحرية والديمقراطية لأجيال قادمة، واطمأننن بأن العدالة
ستأخذ مجراها، وأن القانون سيعاقب مرتكبي جريمة فض الاعتصام عاجلًا أم آجلاً.
ولذتُ بصمتٍ وجيز عند تفاقم غصتي، ثم التفتُ نحو معاوية لأجده
واقفًا كصنم مطأطأ الرأس زام الشفتين دامع العينين.
ولما التفتُ نحو سُكَيْنة، وأحسستُ بوشك انفجارها في نوبة نحيبٍ
جديدة، تعمدتُ مباغتتها بالاستفهام إن كانت ما تزال مصرة على مضغ كبد قاتل ابنها.
فطال صمتها واتسعت حدقاتها لتطالعني بذهولٍ بينهما يدها تعبث بثوبها تارةً، وتارة
تصعد لتمسح دموع عينها. فتنهدتُ بعصبية، ورجوتها أن تستغفر الله، فقالت:
"أستغفر الله"، فاستغفر معاوية وراءها واستغفرتُ بدوري. ثم سألتها إن
كانت تذكر ردة فعل جلال الدين الرومي بعد اكتشافه أن صديقه ومعلمه شمس التبريزي قد
قٌتل وألقي في البئر. فهزت رأسها بالإيجاب وفاض نهر دموعها من جديد، فواصلتُ:
- أما زلتِ مغرمةً بجلال الدين الرومي واشعاره التي كم استشهدت
بها في جلساتك مع صديقاتك لتكلميهم عن مؤلفاته: "المَثْنَوي"،
و"الرباعيات"، و"كتاب فيه ما فيه"؟
وكنت أعرف الإجابة، وإلا لما كنت لأتعمد تذكيرها بقصائد
("أنين الناي"، و"قلبك من سيقودك"، و"أولئك الذين
احترقوا بنار الخريف"، و" لا رفيق سوى العشق")، التي انشدناها
كثيرًا أثناء تناول القهوة تحت ظل الضحى، وشرب الشاي بالحليب بعد صلاة المغرب في
الحوش قرب شجرة الريحان.
ولما لانت ملامحها، مددت يدي ومسحتُ على رأسها بحنانٍ، وقلتٌ بتردد:
- الخيار يعود لكِ يا ابنتي. إما أن تواصلي السير في طريق هند بنت
عتبة وتبحثي عن قاتل ابنك لتلوكي كبده لتشفي غليلك، الذي لن يشفى ابدًا. وإما أن
ترضي بقضاء الله وقدره، وتصاحبي ألمك وحزنك لتخرجي من داخلك أنوارًا تبدد ظلمات
جرحك، فتصبحين بلسمًا لمن حولك، كجلال الدين الرومي الذي أدخلت قصائده إلى الإسلام
كثيرًا من الغربيين عندما أوضحت لهم أن إله الإسلام ليس ارهابيًا ولا دمويًا، بل
إله محبة وسلام ورحمة، يحرق نوره قلب العاشق، فتتفتح بتلات النورانية في داخله.
فعاد نشجيها يرتفع، فواصلتُ بآخر رمقٍ:
- ولتعلمي أن قاتل ابنك ليس شخصًا واحدًا من السهل الظفر به
وإخراج كبده لكي تلوكيها، وإنما عصابة لن تفلت طويلًا من يد القانون الذي سيأخذ لك
حقك وحقوق جميع المظلومين.
فهمهمتْ بألم:
- لكن أصبر لمتين يا أبوي؟ خلاص غلبني ما قادرة استحمل النار
الجواي دي.
فضغطتُ على يدها وأكملتُ بوهنٍ:
- تصبري إلى آخر رمق يا ابنتي. لان طريق الصبر يحتاج نفسًا طويلًا
كنهر النيلِ، أو أطول. ويتطلب روحًا متيقنة بأنه لن يصيبها إلا ما كُتِب عليها،
لأن كل المصائب والأحزان ما هي إلا أسباب لتحقيق مشيئة الله وقدره.
فكانت تلك الجملة هي ما أعاد إلى سُكَيْنَة سكينتها وإيمانها
وصبرها، وجعلتها تكفكف دموعها بتسليم ورضى، وتقبل يد معاوية الممدودة نحوها،
لترافقه للداخل، بعد أن أقسم عليها أن يساعدها في أعداد الطعام لكي تلحق وتكرم
صديقتها، ولكي يفوز هو بالغداء معنا بدل الذهاب وإضاعة الوقت في صفوف البنزين.
**-**
تسنيم
باريس 3 يوليو 2020
12:48
جميلة ومؤثرة للغاية، كادت دموعي تنهمر
ردحذفموفقة
شكرًا رقية.
ردحذف