بقلم/تسنيم طه
ظهرت القصة القصيرة
الواقعية، المختلفة عن "الفابولاFable-"، في القرن الرابع عشر، عبر الكاتب الإيطالي "بوكاتشيو-Boccacio"، مؤلف مجموعة "
الديكاميرون" المكونة من 100 قصة قصيرة. ثم غابت لفترة طويلة، قبل أن تعود في
القرن السادس عشر بعد انتشار قصص الرعاة (في اسبانيا وإيطاليا وفرنسا) التي تمجد
أخلاق الفرسان وحياة البدو والحب العذري؛ لتظهر مجموعة "هيبتاميرون"
المكونة من 72 قصة قصيرة، المكتوبة بواسطة الفرنسية "مارغريت دي ناڤار"؛
ثم مجموعة "روايات نموذجية" المكونة من 12 قصة قصيرة، المكتوبة باللغة
القشتالية بواسطة الإسباني "ميغيل دي ثيرفانتس"، مؤلف رواية "دون
كيشوت".
غير أن القفزة
الحقيقة لازدهار كتابة القصة القصيرة كانت في القرن التاسع عشر مع انتشار الصحافة،
بعد دخولها ميدان السياسة والصراع الاجتماعي والديني؛ ليصبح هذا القرن قرن القصة
القصيرة بامتياز مع أسماء من فرنسا (موباسان، زولا، فلوبير، بلزاك، ستندال) وروسيا
(توليستوي، بوشكين، دوستويفيسكي، تشيخوف) وألمانيا (هوفمان، جوته) وأمريكا (آلان
بو).
وكان محمود تيمور (مصر) من رواد كتابة القصة القصيرة
في القرن التاسع عشر في الوطن العربي.
ومما لا شك فيه، فأن القصة القصيرة بشكلها الحديث
هي منتوج أوروبي. وأشبه الأجناس الأدبية بها في الأدب العربي هي
"المقامة"، التي تعتمد بطلا واحدًا في الأحداث، وأشهرها مقامات الهمذاني.
وقد اختلفت معايير القصة القصيرة؛ ففي أمريكا مثلا
تم تقسيم القصة إلى ثلاثة أنواع: القصية القصيرة (أقل من 7500 كلمة)، تليها
النوڤيلا وتتراوح كلماته بين (7500 -17500 كلمة)، ثم الرواية ابتداء من 17500 كلمة
فما فوق. لكن هذا
المعيار لا يُأخذ به في البلدان الفرنكوفونية، التي ترى أن اختلاف القصة القصيرة
عن الرواية ليس في الحجم، وإنما في المفهوم: فالقصة تدور حول حدث واحد بدون وقت
راحة للقارئ، بينما تتعدد أحداث النوڤيلا والرواية وتتعلق بحدث مركزي وتوفر وقت
راحة للقارئ.
كما تتمتع القصة الفرنكوفونية بإيقاع سريع وتغيب
فيها الغاية التفسيرية، خلافًا للقصة الانجلو-ساكسونية أو الألمانية ذات الإيقاع
البطيء، ما يسمح بشرح الأفكار وردود أفعال الشخصيات. وفي العالم العربي، انتشر
حديثًا ما يسمى بالأدب الوجيز؛ لتنكمش القصة القصيرة وتصبح "أقصوصة" أو "ومضة".
وقد يظن البعض أن كتابة القصة القصيرة أسهل من
كتابة الرواية، باعتبار أن حجمها أصغر؛ ولكن الحقيقة غير ذلك. إذ يجب على الكاتب
التركيز دومًا على الجزء المقطعي الذي يريد تقديمه، والانتباه (لكيلا يشطح بخياله
أو يسهب في سرد تفاصيل غير ضرورية)، بوضع سمات القصة القصيرة نصب عينيه أثناء
الكتابة.
وفي الوطن العربي
انتشرت كتابة القصة القصيرة في القرن العشرين من خلال أسماء مثل الطيب صالح
(السودان)، ومحمد زفزاف (المغرب)، ويوسف إدريس (مصر)، وزكريا تامر (سوريا)، وعيسى
الناعوري(الأردن)، وغسان كنفاني (فلسطين)، وميخائيل نعيمة (لبنان)، وإبراهيم
الكوني (ليبيا).
ولكن رغم هذا
الانتشار، لم تنل القصة القصيرة حظها من النقد الأدبي، كما نالته الرواية. وتكاد
الجوائز الأدبية المعنية بالقصة القصيرة، في الوطن العربي الممتد من المحيط إلى
الخليج، تكون شبه معدومة؛ لولا "جائزة الملتقى" التي تمنح سنويًا لأفضل
مجموعة قصصية منشورة.
وفي عصرنا الحالي، ورغم تزايد عدد كُتاب القصة
القصيرة، لسهولة مشاركتها ونشرها على الشبكة العنكبوتية، ما تزال القصة تتلمس
طريقها للوصول لشعبية الرواية، مطاردةً إياها بتحد وحذر؛ وكأن سيرها مشي على
الزجاج.
--------
من ملف الاستطلاع الذي أعدته الكاتبة السورية نوار الشاطر لمجلة ّأقلام عربية "، تحت عنوان "القصة القصيرة العربية بين الإبداع والاتِّباع". لقراءة كامل الاستطلاع، الرابط👇:
https://www.facebook.com/100002078955043/posts/5521457334600177/
#تسنيم_طه #استطلاع #قصة_قصيرة #نوار_الشاطر #أقلام_عربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق