الاثنين، 19 أكتوبر 2020

الرحيل إلى المنبع

بقلم/ تسنيم طه 
 
فلتتوقف.
أو فلتمضي، 
افعل ما شئت؛
فلم أعد أخافك، 
 أو أخشاك.

مهما تتفنن في تعذيبي،
فلن آبه، 
 فقد ألفتُ أساليبك،
بعد تذوقي لجميع حيلك
 المريرة،،
القاسية.

ولكن،،،
 لماذا لم تُنهِ مهمتك 
وتقضي عليَّ بضربةٍ واحدةٍ 
تجعلك ترقص طربًا 
 وترفع رايات نصرك
علك تتحرر من بقايا صورتي
 الباهتة،،
الشاحبة؟ 

شحوبٌ وشرخٌ كبيرين
 سببهما تصديقي لأكاذيبك،،
 وألاعيبك.

لكنني بدأت أعي الآن.
فلماذا لا تبحث لك عن ضحية أخرى
تجر على جلدها أشواك ساديتك؟

أم أن لديك نيتة في الإجهاز عليّ
وازالتي من الوجود.؟

فلتمنحني الموت دفعة واحدة 
بضربةٍ واحدة
 قاضيةٍ
علك تسدي إليّ خدمة أخيرة! 

لكن أرجوك أن
توقف عن التلذذ برؤيتي أتجرع كؤوس الموت البطيء
 لكي تفخر برسم لوحاتك السوداوية
 بأبخرة الأوهام المتصاعدة من روحي الكَلمى.

فأنت تعلم أن عروقي 
وأوردتي
قد تبدلت وظائفها مذ أن أدخلتك في اعتبار حساباتي
وقراراتي  
وخططي المستقبلية
المعنوية منها والمادية.
بل وحتى الميتافيزيقية.

أم أن مشهد السائل الأحمر المتقطر من شراييني يبهجك؟

لقد استسلمت مجاري دمي للتغير
والتكيف من أجلك
طوعاً لا كرهًا.
بل توهمًا.

فأُخذتها
وأخذتني على غرة.
وغدرت بي.

وأنا الأحمق ما زلت أصدقك.
 واتبع حيلك.
 حيلة وراء أخرى
حتى وجدت نفسي تائهٌ
محتاسٌ
ومفقودٌ في دهاليزك اللولبية.

لقد أوهمتني
 فصدقت
 بأنه عبرك وحدك فقط
 وليس عبر طريق  سواك
يمكنني تحقيق ذاتي:
 الأهداف
والأماني.  

ووقعتُ فريسة سننك
 وقوانينك القاسية
 وسرت وراءك مغيبُ الوعي.
 كالأعمى.

"انها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"

أعميتني.
فتوهمتُ كغيري من السذج
أنك كالسيف إن لم أبترك بترتني 
وأنني في سباقٍ معك
لابد وأن أكسب الرهان
أن أحتل الصدارة
أن افوز بالمركز الأول.


وقداستجرت بك
واستعطفت رحمتك  
وظننتُ أنك أنت الرحيم العطوف.
وتوهمت أنك أنت المنقذ الذي لا مجير سواه.
 ولم أكن سوى مخدوعٍ
وكمن يستجير من الرمضاء بالنار.


 لكن أخيرًا فهمت
أنك أحد  أكاذيب عالمي.

والآن انتهى كل شيء.
فلتذهب!
أو فلتبقى!
الامر سيان ولم أعد أهتم
لقد توقفت عروقي عن النزيف لهاثًا وراءك.

لقد اُكتشِفتْ ألاعيبك
 ومؤامراتك
أيها الضعيف المخادع.

فقط إن لديك ذرة شجاعة أخبرني!
لماذا كنت تتعمد تمويه لحظات الفرح؟
لماذا كنت تبتر أطرافها
وتحيل أنوارها إلى ومضات سريعة 
خاطفة
لتمسخها
وتجعلها تبدو معاقة كبضاعةٍ مسروقة؟

إن كنت شجاعًا أخبرني
 عن سبب تعمدك إطالة لحظات الألم
لتجعلها تبدو كدهرٍ بائدٍ من العصور الوسطى
حتى ظننتُ أن الأحزان مستأصلة في روحي
وأنه ليس لي الحق في السعادة؟

 لماذا أوهمت روحي
بأنها ستظل تضيع في دهاليز التيه إلى الأبد
وان تنجح في فعل شيء
سوى استعادة لحظات الألم الدهرية؟

روحي المسكينة وقعت فريستك
وسلمت بأنها لا محالة ضائعة
وستضيع
وتضيع مادام مصيرها متعلقٌ بيدك.

"حنانيك يا روحي!"

هيا كفي 
ولتنهي مهمتك الآ وهنا!

فقط لا تحلم كثيراً بأن تحتفل على أنقاضي
فلم أعد آبه لما سيصدر منك 
لكثرة ما أريتني
من كل ما ترتعد له الفرائص.

صدقني 
فلن أعطيك نشوة الانتصار هذه المرة.
لأنني اليوم انسانٌ جديد.

نعم أيها الزمن
اليوم أنا انسانٌ جديدٌ
انسلخ من الشرنقة
تصالحت شرايينه مع الأوجاع
وتوقفت عن اللهاث وراءك.
وتصالحت روحه مع الخيبات
وقبلت راضيةً بالقدر.

أيها الزمان الهارب
هذا الصلح سيكون مطيتي لإصلاح ما أفسدت
على مر السنين.  

بِهِ سأرمم جميع النتوءات
إلى أن أرجع بسلامٍ إلى المنبع
سالكًا طريق النور
والأمان
طريق الحق والسلوى
طريق السلام  
واللا مباراة.

طريقٌ ممهدةٌ
الكل فيها يحصل على المركز الأول
أخرها ضياء وسكينة
لا سباقٌ فيها ولا قلق.
طريقٌ حيث جميع الإنجازات قد تحققت بالفعل
منذ قبل أن أعرفك
وقبل أن تنزل روحي في هذا الجسد
المحكوم بقوانينك
لدرجةٍ كادت تمسخ نورانيته بالكامل.

أيها الزمن
فلتقرر ما شئت
فقد أصبحتُ في مأمنٍ منك
وعن تأثير تربص دوائرك، 

بل واكتشفت 
بأنك لستَ سوى جندي
 ضعيفٌ  الحيلة.

ولم أعد بحاجة إليك
لكي أعود إلى المنبع،،

"وما يعلمُ جنودَ ربكَ إلا هُو"

***

باريس 19 يناير 2019
11:15

الاثنين، 5 أكتوبر 2020

يوم زارت فيه أم كلثوم السودان وغنت من كلمات أبرز شعراء الخرطوم‎

 

بين مصر والسودان تاريخ واحد، وأمامهما مستقبل واعد، وحدة شعبي وادي النيل، لم تكن وليدة لحظة بل ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، سياسياً وشعبياً، تلاحم في الأزمات، ففي أعقاب نكسة 1967، وقفت السودان إلى جوار مصر موقف الشقيق في لحظة الضيق،  كما كانت مصر دائماً سنداً للأشقاء في الخرطوم، هناك من المواقف والذكريات ما لا يعلمه الأجيال الشابه، وفي هذا التقرير نلق الضوء على زيارة سيدة الغناء العربي أم كلثوم للسودان عام 1968، عندما ارتدت الزي السوداني، وانتقت من شعر أحد أبرز شعراء السودان كلمات أغنية "أغداً ألقاك".

في فبراير 1968 حلت السيدة "أم كلثوم" ضيفة على أهل السودان لإقامة حفلات لها لدعم  «المجهود الحربى»، حظيت خلاله باستقبال أسطوري، بعد أن تلقت دعوة من وزير الإعلام السودانى عبدالماجد أبوحسبو.

السيدة أم "كلثوم" أحيت حفلين في السودان بمسرح  «أم درمان»، في ضوء جمعها لأموال لدعم المجهود الحربي في أعقاب نكسة "5 يونيو 1967"،  ارتدت خلالهما «الزى السودانى» تكريما لأهل السودان واعتزازا بمواقفهم، غنت "أم كلثوم" روائعها: «هذه ليلتى» «الأطلال» «فات المعاد»، زارت معالم الخرطوم، ومدرسة للبنات،  وفى طريق عودتها حملت دواوين لشعراء سود.

فور عودتها من السودان سلمت السيدة "أم كلثوم" الموسيقار محمد عبدالوهاب كل دواوين الشعر السوداني التي حملتها معها من الخرطوم ليتمكن من اختيار نص منها ويقوم بتأليف لحن مناسب له لتتغنى به.

وقد ظل عبد الوهاب شهوراً طويلة يُطالع الأشعار وأم كلثوم تلاحقه متسائلة هل وجد نصاً مناسباً للغناء أم لا ؟ 

وذات مساء.. حضر عبد الوهاب إلى فيلا أم كلثوم بالزمالك وكان متأبطاً آلة العود.. وخرجت السيدة لاستقباله عند بوابة المنزل.. فوجه لها سؤالاً مباغتاً قائلاً لها: أغداً ألقاك؟ وهنا فهمت أم كلثوم بإحساسها العالي أن عبد الوهاب قد وجد النص وقام بتجهيز اللحن أيضاً.. وإلا لما أحضر العود معه، فردت عليه بطريقة أكثر دبلوماسية : ولماذا ليس الآن؟

فجاء الاختيار من ديوان الراحل المقيم وشاعر السودان المتميز الأستاذ الهادي آدم حيث كان ( كوخ الأشواق ) من ضمن الكتب الشعرية التي رافقت أم كلثوم في رحلة العودة من الخرطوم… فأرسلت السيدة في طلب الأستاذ الهادي الذي سافر إليها بالقاهرة لإكمال الاتفاق في شكله القانوني والأدبي النهائي.. كما جرى تعديل طفيف في مفردات بعض الأبيات.. ثم لم تمر أسابيع معدودة حتى ظهرت أم كلثوم تُغرّد بتلك الرائعة في حفلها الشهري الذي اعتادت على إقامته بالمسرح القومي في القاهرة.. الذي كانت تنقله إذاعة القاهرة على الهواء مباشرة ليستمع له عشاق فنها في كل العالم..

وصدحت :

 أغداً ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غدِ

 يا لشوقي واحتراقي... في انتظار الموعد ِ

**--**

نُشر بتاريخ، 22 يوليو 2018م، في مجلة روز اليوسف.

لقراءة المقال من مصدره:

https://www.rosaelyoussef.com/364497/%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%AA-%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%A3%D9%85-%D9%83%D9%84%D8%AB%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%BA%D9%86%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%B7%D9%88%D9%85