الاثنين، 24 نوفمبر 2025

غرقى في نهري الحب والدموع/ محمد البنا

 قراءة بعيد انتهاء القراءة


* وجعي على السودان...ذرفتها ست النفور أو تسنيم طه أو أي أنثى سودانية مغتربة؛ حزنًا على ما آلت إليه الأوضاع في سوداننا الشقيق، و...وجعي على أوطاننا العربية من شرقها إلى غربها...ذرفتها آهة ألم وحسرة وعجز مقيت؛ أنا وغيري من أهل العروبة، العروبة التي قد لا نكون جديرين بالانتماء إليها والانضواء تحت راية دينها الحنيف....

وعودة إلى النص، رغم أني لم أغادره فيما سبق ونزفته من حروف، كما أنه لم يغادرني منذ بدأت الإبحار فيه كناقد متسلحًا بكل أدواتي النقدية، فإذ به يطيح بها بعيدًا، ليتركني أجاهد - كقارئ - عباب بحر هائج، أمواجه دموع، وعواصفه نوبات حزن وفقد وتيه وحيرة.

* رواية داخل رواية، وأحداث تتوالد، تتباعد وتتشابك، والخيط الرابط دائمًا وأبدًا؛ ست النفور بطلة قصتنا؛ امرأة تمزقت بين الشرق بتقاليده، والغرب بتحرره، فتعاظمت مشاعرها، لتعيش الحياتين واقعًا؛ جسدًا ينتمي للغرب بتحرره من تقاليد وأعراف روحه الشرقية الإسلامية غالبًا، فيسلم قياده للإباحية وتنهار مقاومته بعد صراع واه، بينما الروح تناضل لتحافظ على شرقيتها...

هذه هي ست النفور السودانية الأصل الفرنسية الجنسية، الخليط الجيني الناشئ عن تزاوج الدم الانجليزي مع الدم السوداني في ثوبه الفرنسي.

وكما قيل لنا من قبل وقلناه من بعد؛ الجيل الأول المهاجر يحتفظ بتقاليده الأصلية المنتمية لجذوره، بينما الجيل الثاني يصارع بين الثقافتين، واسميه جيل التائهين، يخلفه جيل تنقطع صلتهم - في الغالب الأعم - بجذورهم الأصلية، لتصير هويتهم جسدًا وروحًا منتمية لبلد المهجر، إذ أنه وطنٌ لهم، المولد والنشأة والهوية أيًا كان هذا الوطن فهو وطنهم.

وبطلة قصتنا ست النفور تنتمي للجيل الثاني؛ جيل التائهين الممزقين بين هنا وهناك، وقد أجادت الروائية البارعة التعبير عن انموذج مثالي تنطبق عليه كل شروط ومواصفات ومشكلات وصراعات هذ الجيل.

* سبق وقلت أن بنية الرواية اعتمدت المثلث ذا الثلاث رءوس ( آن موريس...وتمثل الهوية الفرنسية الغربية تمثيلًا دقيقاً)، ( زكريا...ويمثل الهوية السودانية الشرقية تمثيلًا دقيقا)، ( ست النفور...وتمثل الجيل الثاني نتاج الجيل الأول من المهاجرين؛ جيل التائهين بين هنا " فرنسا الغرب"، وهناك " السودان الشرق" تمثيلاً دقيقًا أيضًا.

لم تتغير رؤيتي النهائية - بعد قراءتي لكامل الرواية عن رؤيتي الأولى - للنصف الأول من الرواية.

إذ لم أر في إضافة راشيل لأحداث الرواية بعدًا اضافيًا يفيد في صلب الفكرة أو توطيد الموقفية من السرد الروائي، وما كان تضمينها داخل إطار العمل الأدبي المنجز إلا كمخرج لمعضلة البحث عن إبرة في كوم من القش ( أخ زكريا لأبيه من الأم العشيقة آن موريس )، وكان من السهل - في رأيي الشخصي- التوصل لطريقة أسهل، ما دام أنها تمت في كل الأحوال عن طريق الصدفة البحتة، أقول هذا رغم أن القيمة الأدبية العالية التي انجزتها الروائية في وصفها الشعوري الإنساني لهذا اللقاء - ست النفور مع حسنى- انتزع عبراتي من مآقيها لتنهمر على صفحات خدي..

كم كانت رائعة تلك المشهدية الوصفية! وكم أذهلني تجسيدها!


* الشخصيات

- قرشي ذلك الجندي المجهول المثابر المحب الصابر ؛ كنت افتقده عندما يغيب وأتألم في صمت معه عندما يحضر

- زكريا؛ عشته كما عاش ورأيت ما رأي وشعرت بما كان يشعر به كأنه...أنا.

- ست النفور؛ تجسيد حي نموذجي لجيل التائهين.

- آن موريس؛ تجسيد حي نموذجي لكثير من النساء الأوربيات في النصف الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وشغفهن الشديد بزيارة مستعمراتهم في الشرق، بل وهوسهن بالترحال والأقامة في الشرق، مأخوذات بسحره وعبق تاريخه.

* أنا كناقد لا اعتراض لي على ما يطرحه الكاتب من أفكار، ولا يحق لي الاعتراض أصلًا، فللمبدع أن يقول ما يشاء، شريطة أن يقنعني بأفكاره داخل متن إبداعه ومنطقيته ومسوغات تضمينه، أما القارئ فله أن يقبل الفكرة أو يرفضها.

* المبالغة في الكم المعرفي المحتوى داخل المتن تجاوز المعقول وزاد مما قد يراه البعض حشو زائد.

* النص كان يحتاج إلى تدقيق لغوي ( املائي ونحوي).

 

* أخيرًا أقولها بكل أريحية وثقة واطمئنان؛ سعدت جدًا بقراءة هذه الأيقونة الأدبية، مع خالص تمنياتي للمبدعة بمزيد من التقدم والارتقاء في سماء الأدب العربي والفرنسي معا.

 

محمد البنا / القاهرة في ١٧ نوفمبر ٢٠٢٥


نـشر في المنتدى العربي للنقد المعاصر: https://www.facebook.com/share/p/19z8rwWiUR/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مَوْسِمُ العَوْدِة إلى الشَّمال

قِصَّة قَصِيرة: مَوْسِمُ العَوْدِة إلى الشَّمال