السبت، 5 فبراير 2022

حوار: مشاركتي في "ملف النساء والكتابة 16" على موقع "كتابات الذي أعدته الكاتبة والصحفية المصرية سماح عادل

خاص: اعداد/ سماح عادل

1- هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟

الإبداع لا يحتاج لتفرغ، وإنما لذكاء وحكمة وصبر.

ففي أغلب الأحيان، يداهمنا الإلهام أثناء انشغالاتنا، ونادرًا ما تأتينا الأفكار الإبداعية عندما نجلس خلف طاولة للبحث عنها. والمسألة إذن تعتمد على سرعة صيد الخواطر، وتدوين الأفكار حتى لا تضيع. بعدها تأتي مرحلة التخطيط العملية من تنظيم للوقت، وبناء لعادات يومية أو أسبوعية للعمل على تطوير الفكر؛ فالتخطيط يساعد على البدء والانطلاق، ولكن العادات هي ما يعين على الاستمرار.

وأعتقد أن بإمكان المرأة الكاتبة متعددة المسؤوليات، استقطاع وقت، ولو بسيط ومنتظم للكتابة ولغيرها من الهوايات؛ ورُب قليلٌ دائمٌ، خيرٌ من كثير منقطع.

وأظن أن 24 ساعة كافية لفعل الكثير إذا ما تم التحكم في مشتتات العصر من هواتف ذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.

فالمرأة بطبيعتها بارعة في نسج القصص وإجادة الحكي الذي ورثته من سالف العصور عن شهرزاد. ولن يصعب عليها إيجاد طريقة لإخراج زخم تلك القصص، خاصة تلك التي أخذت وقتها الكافي للاختمار داخل رأسها.

وفي حالة عدم إيجاد الوقت للجلوس خلف طاولة للكتابة، يمكن الاستفادة من تقنيات الهواتف الذكية في تسجيل الصوت مثلًا لتدون الأفكار، لسماعها لاحقًا والعمل عليها بروية عندما تحين الفرصة.

2- هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟

أكبر عوائق يمكن أن تواجهها الكاتبات هي عوائق نفسية داخلية: الخوف من الانتقاد والوصم، الخوف من إنتاج عمل رديء، وقلة الثقة بالنفس، وعدم القدرة على إدارة الوقت، والمقارنة سواء مع غيرها من الكاتبات النساء، أو مع الرجال؛

وهذا ما يسبب الإحباط. لأن لكل إنسان ظروفه وإمكانياته.

وهذه العوائق النفسية لا يعالجها التفرغ، وإنما الإدراك والوعي، قبل السعي لإيجاد حلول طويلة المدى، ثم خلق عادات إيجابية تساعد على الإنتاجية والإبداع.

3- هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟

لا، لا أشعر بالظلم؛ لأن لكل إنسان ظروفه. ولأن مثل هذه المشاعر تغذي دور الضحية، وتعوق الإنتاجية.

صحيح أن الرجال لديهم فرص أوفر للتفرغ والحصول على وقت إضافي مقارنة بالنساء العاملات المنشغلات بأمور الأطفال والعائلة والمنزل. لكن العبرة ليست في الكم، وإنما في الكيف. فالكاتبات إذا أردن أن يدخلن ميدان المقارنة، فعليهن العمل بحرفية والبحث عن جودة العمل الروائي، مثل بناء الفضاء القصصي وإحكام الحبكة وتطوير الشخصيات، والاستغناء عن الاكتفاء فقط بالكتابة الارتجالية، التي تصلح للبوح، والتي قد تبدو مثل الإنشاء حتى وإن كانت جميلة اللغة.

فالمنتوج الأدبي النسائي اليومي ربما فاق المنتوج الرجالي، وذلك لما وفرته التكنولوجيا من سهولة النشر، وبعد حصول المرأة على حقوق في العمل وحرية التنقل والسفر.

ولكن العبرة ليست في الكم، وإنما في النوع.

والنوع لا أقصد به جودة الأعمال الأدبية من مراعاة لعناصر العمل الأدبي وحسب، ولكن أيضا المواضيع التي يعالجها النص.

وإذا ما قورنت بروايات الرجال، فإن أغلب الأعمال النسائية، قد لا تبدو مثيرة لشغف النقاد، لأنها تركز على الذات الأنثوية والعواطف الجياشة كالحب والرومانسية والأمومة وغيرها، وتهمل التطرق لمواضيع مجتمعية وسياسية ووطنية، أو إثارة مواضيع حول العقل والأفكار والمغامرة.

ولا شك أن هنالك استثناءات، وهناك كاتبات، رغم تعدد التزاماتهن المهنية والعائلية، نجحن في إنتاج نصوص جيدة تفوقت على أعمال أدبية رجالية تفرغ أصحابها للكتابة. فرب عمل واحد كُتب بحرفية وإبداع، أطاح بعشرات الأعمال الرديئة.

4- ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟

في اعتقادي، أن المرأة الكاتبة تعرف حدود تحملها للنقد في حالة تجاوزها للخطوط الحمراء وكتابة ما لا يقبله محيطها الاجتماعي ومحيط المجتمع الأدبي العربي، الذي يرفض الجرأة متوقعًا منها دوام الإذعان والحياء.

والجرأة لا تتوقف فقط على تناول التابوهات وطرح مواضيع مسكوت عنها، ولكن أيضًا على تصوير مشاهد ايروتيكية أو جنسية.

فإن كانت المرأة قادرة على المواجهة والدفاع عن نفسها، إذا ما اضطرت لوصف مشاهد جريئة تخدم النص، فستفعل ولن تأبه كثيرًا لآراء النقاد ولن يهمها الوصم.

وإن لم يكن باستطاعتها تحمل نتيجة اختيارها، فعليها بالاستغناء عن الوصف بالتلميح، تجنبًا لهدر طاقتها وإدخال نفسها في حروب كلامية تربكها وتفقدها سلامها الداخلي. فالخيار يعود لها وحدها.

5- هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

إن كانت المرأة تكتب للنقاد، فقد تكون الإجابة: ربما..

ولكن السؤال: لماذا هذا الظلم وهذا التهميش؟

أحيانًا، قد يكون السبب هو وسط النقاد المهيمنة عليه شلليات الرجال، والذين ربما منعهم خوفهم أو غيرتهم، من تسليط الضوء على أعمال نسائية، وكأن ذلك يهدد رجولتهم.

فثقافة الرجل الشرقي، حتى المثقف وإن ادعى الانفتاح، قد تمنعه من تقبل فكرة أن تتفوق المرأة ويلمع نجمها بين الرجال، وذلك بسبب الصورة النمطية عن المرأة في رأسه بأن مكانها البيت وتربية الأولاد ولا دور لها آخر للمشاركة في المجتمع.

لكن، هناك عوامل أخرى قد تعيق الكتابات النسائية من أن تحظى بالنقد: مثل جودة العمل الأدبي والمواضيع التي يعالجها النص.

فأغلب الكتابات النسائية، تهتم فيها المرأة بذاتها الأنثوية، وتركز على تقديم عواطفها وأحاسيسها بطريقة انفعالية متحيزة تدور كلها في فلك علاقتها بالرجل، والحب والزواج والأمومة وغيرها. وقد تهمل العمل على تنوع الشخصيات، وتعدد الأساليب السردية والحوارية التي من شأنها إثراء العالم الروائي. وقلما تركز في مواضيع كتاباتها على قضايا اجتماعية أو سياسية أو وطنية.

وأكبر تحدي يقف أمام المرأة، هو إدراك أن طريق الكتابة ليس طريق سهل مفروش بالورود، بل طريق مكلل بالمصاعب.

وإن أرادت منافسة الرجل، فعليها ابتكار وسائل حكي أكثر تعقيدًا من قصص شهرزاد في “ألف ليلة وليلة” ومن حكايات الجدات، وإيجاد تقنيات جديدة لكتابة النصوص دون أن تخشى من التجريب، مع الانتباه للاقتصاد في استخدام عواطفها الجياشة حتى تسمح لملكاتها الفكرية والمنطقية أن ترى زوايا أخرى من العالم، أبعد من ذاتها الأنثوية.

 

لقراءة المقال من مصدره:

https://kitabat.com/cultural/النساء-والكتابة-17-ينتقد-الرجل-الكاتب/