الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

قِصَّة قَصِيرَة: شَنْدِي ذَاتَ مَسَاء

بقلم/تسنيم طه



-        ما أقصى ما يمكن أن يفعلونه بي؟ أن يضعونني في السجن؟ ستكون مناسبة لتأليف كتابٍ عن حياة السجناء، قالت في نفسها وهي تتابع تفرسهم في وجهها بفضولٍ وتأهبٍ، في انتظار إجابتها.

وتشاغلت عن تلهفها بسرعة الرد عليهم بالتلفت حولها، لتكسب بعض الوقت تستعيد فيه رباطة جأشها، وتستجمع قوتها الداخلية قبل الاعتراف بجرمها.  لكن الشرطي الأسمر، حرمها مواصلة مماطلتها بسؤاله المباغت:

-         ما الذي دفعك لتضييع ثلاثة ساعات من وقتك في عملٍ لا طائل منه وبلا أجر؟

فأفهمها سؤاله بأنهم كانوا يراقبونها منذ بدء عملها في الساعة الرابعة فجرًا مع بدء شقشقة العصافير الأولى وذهاب المصلين إلى مسجد "بانيوليه-Bagnolet" لأداء صلاة الفجر. ولما ألجمتها الدهشة، واصلت التحديق في وجه الشرطي الشاب الأسمر رقيق الملامح، لتتخيله من أصولٍ تنحدر لسكان جزر الكاريبي، إحدى مستعمرات فرنسا القديمة.  

فقادها خيالها إلى ما رواء البحار وجعل لعابها يسيل وهي تستعيد طعم فواكها المفضلة (المانجو والأناناس والموز والباباي) التي تستوردها فرنسا من "غوادلوب" و"مارتينيك" و"لاريونيون"، و"هاييتي" وغيرها من جزر أمريكا الجنوبية الفرانكوفونية.

لكن بسرعة خرجت من شرودها اللذيذ على أثر حركة الشرطي الأسمر يعقد يديه أمام صدره في انتظار اجابتها.  فرجعت تطالعه باستغراب متسائلةً عن ردة فعله لو أخبرته بأنه شديد الشبه بحبيبها، قبل أن تخرج من تساؤلاتها مع اقتراب الشرطية البدينة الشقراء منها لتطالبها، وفي عينيها نظرة استهجان، ببطاقة هويتها.  

تراجعت الفتاة خطوة للوراء، وفتحت حقيبة يدها، بترددٍ لتخرج البطاقة وتمدها للشرطية، التي حدجتها بنظرة اصابتها بقشعريرة دفعتها لخفض بصرها، ناحية حذائها والتساؤل بتوجسٍ أتكون بطاقتها السبب في أن تُرحل إلى وطنها الأم رغم اشتداد وطيس الحرب الضروس في وطنها.

ولما رفعت بصرها وانتبهت لضخامة يد الشرطية، انحرفت نحو تساؤلٍ آخرٍ مستغربٍ كيف وصلت هذه المرأة ذات العيون الزرقاء لهذا الوزن بينما نساء بلدها يراقبن أطعمتهن بالسعرات الحرارية من أجل ليظللن رشيقات.

-        هل تعرفين من يكون "شَنْزي"، الذي طمستي اسمه عندما استبدلتِ حرف "الزاي" بحرف "الدال"؟ سألها الشرطي الأبيض النحيف، الأصغر سنا من بين مستجوبيها الثلاث.

بالتأكيد كانت تعرف الإجابة، وتستحضر تفاصيل حوارها مع حبيبها قبل عامين عن هذا القاسم المشترك بين اسم الجنرال الفرنسي واسم المدينة حيث رأى النور في نفس اليوم الذي اندلعت في ثورة أبريل 1985، التي أطاحت بحكم الرئيس جعفر النميري. لكنها لم تتسرع لتتباهى بمعرفتها أن الجنرال " ألفرد شَنْزي"، شارك في حرب الجزائر وفي معركة "سُولْفِيرِينو-Solférino"، المعركة التي هزم فيها نابليون الثالث الجيش النمسوي بقيادة الامبراطور "فرانسوا جوزيف".

 وظلت تبحث عن طريقة ذكية تمكنها من الإجابة على سؤاله بسؤالٍ يختبر ثقافته العامة، لتحدثه أكثر عن "الكنداكات" النوبيات، أو ملكات "كوش" المحاربات، اللاتي هزمن الاسكندر الأكبر وأقمن قريبًا من مدينة "شَنْدِي" التي تشترك حروفها مع اسم الجنرال الفرنسي.

وأحست بالحماس يملأها وهي تتخيل أن سؤالها سيكون مناسبة للحديث عن مدينة "شَنْدِي" مسقط رأس حبيبها، حيث جنائن المانجو والليمون، والتقاء النيل بالصحراء، والأحبة الذين غنى لهم مصطفى مضوي: " يلا شَنْدي نزور الحبايب،،،والفِريع الهَدَلو الربيع".

أخرجتها الشرطية من سهومها وحوارها الداخلي، بطرح السؤال الذي كانت تخشاه: 

-         بطاقة إقامتك منتهية الصلاحية منذ ثمانية أشهر، هل يمكنك تفسير ذلك؟

وهنا شعرتْ، بفوضى الأفكار تجتاحها وتجردها من قوتها، لتلجم لسانها دون أن تدري بأيهم تبدأ بالإجابة على سؤاله:  

-        الشرطية الشقراء البدينة التي ترمقها بنظرة زرقاء حادة، وملامح صارمة متربصة؟

-        أم الشرطي الأبيض النحيف، الذي تتمنى أن ترد له الصاع صاعين، وتثبت ضحالة ثقافته في الحضارات والممالك الإفريقية القديمة، وخاصة حضارة "كوش" بالقرب من مسقط رأس حبيبها؟

-        أم الشرطي الأسمر، سليل سكان جزر الكاريبي، وشبيه حبيبها، الذي لولا مشيئة التقاليد الاجتماعية لكانت قد تزوجت به وأنجبت منه ابناءً كانوا سيحملون خليط دماء نصفها من حضارة "سبأ" ونصفها الثاني من حضارة "كُوش"؟

رفعت الفتاة رأسها إلى السماء الصافية، لتستجدي ضوء الشمس المتسلل من الأفق أن يلهمها القرار السليم والاجابات الشافية.  

وكتمت أنفاسها وهي تستعيد الحماس الذي رافقها، قبل قليل، طوال فترة إنجازها مهمتها أثناء استماعها لأغاني إذاعة "شَانْتْ-فْرَانْسChant-France"منذ نقطة البداية في أول شارع " شَنْزي-Chanzy " في مدينة "بَانْيُولِيه-Bagnolet"، قبل أن يفاجئها أفراد الشرطة عند نهايته مع تقاطعه بساحة "جاك ديوكلو"، على بعد أمتار من محطة ميترو "Croix de Chavaux".

 لكن شعاع الشمس، لم يخادعها لينقعها بإخفاء الحقيقة.

فتخللتها مشاعر راحة، تحولت سريعًا إلى خوفٍ من أن تسوقها الحقيقة إلى حتفها، لشكوكها أن يتفهم أفراد الشرطة إقدام فتاة أجنبية على تغيير اسم أطول شارع يصل بين مديني "مُونْتْخُويْ" و"بَانْيُولِيه" ليربطهما بمدينة باريس شرقًا، لمجرد قرارها الوفاء لذكرى عيد ميلاد حبيبها.

وأصابتها حيرة تحولت لضيقٍ مع استشعار اختفاء حماسها، ثم إلى خيبةٍ ومرارةٍ مع تذكر الخسائر النفسية التي لحقت بها بسبب الحب وحالة الاكتئاب التي أورثها لها طيلة أشهر. فأغمضت عينها وبلعت ريقها لتخفف من الغصة التي صاحبتها منذ أن أخبرها حبيبها بقراره عودته النهائية إلى السودان.

ورغم خشيتها إنفاذ صبر أفراد الشرطة، إلا أنها أطالت البقاء وراء ظلام عينيها المحاطة بهالاتٍ من كثرة البكاء والسهاد تحسرًا على حب حياتها الضائع. وعندما فتحتهما، وأحست بحرقة حصى الدمع في مقلتها، أدركت بأنه قواها ستخونها.  وأوشكت على الاستسلام ترك العنان لدموعها ونوبات ألمها الهستيرية، لتصرخ وتعاتب الظروف والحياة على ظلمها، وتطالبها بالتوقف عن معاملتها بقسوةٍ وجورٍ. 

لكن لما لاحت أمام عينيها مقولة جلال الدين الرومي: " لا تجزع من جرحك، وإلا كيف للنور أن يتسلل إلى داخلك"، أطلقت زفرة ارتياح وقررت مواصلة طريقها بشجاعة حتى لا يظن أفراد الشرطة، إذا رأوا عقد دموعها ينفرط، بأنها تتهرب من مسؤولية ما قامت به. فعزمت على الصمود ورفض دور الضحية مهما كلفها الأمر، عازمةً على متابعة اللعبة باستبدال سيناريو التراجيدية بأخر كوميدي. فاجتاحتها نشوة دغدغتها لبرهة عند تخيلها لنفسها مجنونة بالفعل وليس ممثلة. وبينما ثغرها يفتر عن ابتسامة انتصار، أخذت تتفرس بتحدٍ في الوجوه المترقبة لسماع اجابتها، قبل أن ترفع يدها اليسرى النحيلة لتفرد شعرها الاسود الطويل علي جانب كتفيها، وتتقدم نحو الشرطي الأبيض لتبادره بحديثٍ واثق: 

-        اسمح لي أيها الشاب اللطيف أن أجيبك بأن الاسم الذي ظننتَ أنه بلا معنى، هو اسم لمدينة كبيرة في شمال السودان، شهدت معركة من نوعٍ آخر لا تختلف عن تلك التي انتصر فيها "ألفرد شنزي" على الجيش النمسوي.

ولما رأت انعقاد حاجبيه دهشة، توقفت قليلًا قبل أن تواصل:

-        في "شَنْدِي" دارت معركة من نوعٍ خاص. لأن "المَكْ نِمِر"، لما لم يتحمل إهانة الخديوي "إسماعيل باشا" قائد حملة الغزو التركي على السودان (الذي وبخه لأن أهالي "شندي" هاجموا قوافل الرقيق المتجهة إلى مصر، ثم صفعه بغليونه عند اعتراضه على دفع الغرامة) قرر الانتقام لكرامته باستعمال الحيلة والدهاء. فأعد وليمة دعا لها الخديوي، ثم حاصره بالقش، قبل أن يأمر بحرقه هو ومن معه في مدينة "شَنْدِي". أرأيت يا سيدي أن اسم الشارع الجديد لن يكون بلا معنى؟

ثم صمتتْ برهة لتبلع ريقها، وتستزيد من الشجاعة التي انبثقت في عروقها أثناء قراءتها لملامح الدهشة على وجوه مستجوبيها، الذين كانوا يطالعونها بأفواه فاغرة.

وبعد أن ملأت صدرها بالهواء، وجهت حديثها إلى الشرطي الأسمر:

-        اسمح لي أيها الوسيم أن أخبرك بأن الساعات التي قضيتها في هذا العمل لم تكن بدون أجر كما ظننتْ، لأن الفائدة التي جنيتها لا تضاهيها قيمة مادية، لكونها معنوية ونفسية تشعرك بالامتلاء والرضا، سَمِّها "الحُب" أو "الجُنون"، فلا فرق بينهما......

ثم توقفت عن الكلام عندما أحست بوخزة قوية في قلبها، وبمشاعر حزنٍ عميقة تجتاح دواخلها، وتحطم أسوار شجاعتها، لتخور قواها وتترك العنان للدموع. لا دموعَ غبنِ أو مرارةِ أو خذلان، بل دموع حبٍّ وحنينٍ أضرمت نيران الأشواق في جوفها.

وأحست بأطرافها تتجمد مع تفاقم الحنين عند استحضار ذكريات جميع الأماكن التي ارتادها مع حبيبها خلال عامين كاملين: ساحة "سان ميشيل" والتسكع حول السيَّاح ا ثم الذهاب لأكل ساندويشات الفلافل في مطعم "ماؤز-Maoz" المجاور، كاتدرائية "نوتردامNotre Dame-" التي خلدها فيكتور هوغو في روايته الشهيرة  الحاملة لنفس الاسم، شارع "الشانزيليزيه" ومقاهيه المزدحمة بعرب الخليج العربي، ثم حديقة "تْوِيلْغِي-Tuileries"، فحي "مونت ماغتخ-Montmartre" وبرج "إيفل" وغيرها من الأماكن السياحية والأحياء الشعبية، والمؤسسات الإدارية كمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين "OFPRA" ومحكمة الاستئناف "CNDAحيث عملا سويًا كمترجمين لنقل أقوال مهاجرين ناطقين باللغة العربية قدموا من سوريا والعراق واليمن وليبيا وارتريا والصومال، واقليم دارفور في غرب السودان.

بلعت ريقها بصعوبةٍ علها توقف تفاقم عبرتها، وأزاحت خصلة متمردة وارجعتها وراء أذنها اليسرى، مقررة عدم السماح لحنينها أن يهزمها ويدفعها لإعلان الهزيمة، ثم توجهت بالحديث للشرطية: 

-         بالنسبة لبطاقة الإقامة، اسمحي لي يا سيدتي أن أخبرك بأنني مررت بظروف نفسية قاسية تسببت طردي من العمل، فاستنتجت عدم جدوى الذهاب وطلب تجديدها ما لم أعثر على وظيفة أخرى ما يزال بحثي الدؤوب عنها متواصلًا.

ثم توقفت عن الكلام لتستشف إن كان زوج العيون الزرقاء الذي يطالعها بقسوة قادر على أن يلين أذا ما كفت عن الدفاع عن نفسها، قبل أن تواصل بانكسار:

-        اعترف أن هذا خطأٌ ثاني وسأتحمل نتيجته ايضاً.

وساد صمتٌ ثقيل تبادل فيه أفراد الشرطة نظراتٍ محتارة، قبل أن يعودوا ليتفرسوا في وجه الفتاة باستغراب وريبة.  فهذه أول مرة يواجهون فيها مخالفة من هذا النوع.  ففي هذه المنطقة من مدينة "مُونْتْخُويْ-Montreuil"، تدور المخالفات القانونية حول فلك ترويج المخدرات، وقيادة السيارات من قبل القاصرين بدون رخصة، أو غسيل أموال لمهاجرين غير شرعيين، لا يملكون أوراقًا قانونية تسمح لهم بالإقامة والعمل داخل الأراضي الفرنسية.

سمحت حالة الحيرة المرتسمة على وجوه أفراد الشرطة، للفتاة أن تستعيد بعضًا من هدوءها. فأدخلت يدها في شعرها قبل أن تواصل حديثها مع الشرطية: 

-        قد أكون ارتكبت مخالفات يعاقب عليها القانون، لكنني اشعر بالراحة والرضا لقيامي بما أملاه عليّ واجبي تجاه مشاعري، وسأتفهم إن وضعتموني في السجن، بل سأكون ممتنة. هل تعرفون لماذا؟

اذادت ملامح الاستنكار وجوه محدثيها، وكأنها بذلك تجزم بجنون الفتاة التي واصلتْ بثقةٍ:

-        لأن السجن سيوفر لي فرصة الاختلاء بنفسي بعيدًا عن صخب المدينة، ويجنبني الركض لهاثًا من أجل الحصول على لقمة العيش اليومية، فأتجنب بذلك رؤية عائلات سعيدة تتنزه في الشوارع تدفعني للاكتئاب والرثاء لحالي، وتجبرني على تجديد حدادي على أهلي، الذين وصلني خبر موتهم بقذائف الحوثيين التي ما زالت تمطر العاصمة صنعاء. سأكون ممتنة للسجن لأنه قد يساعدني على الكف عن التفكير في حبيبي، الذي هجرني وظن أنه سينال بِر والدته إن حقق لها رغبتها بالزواج من ابنة أخيها اليتيمة، ليتركني وحيدة مع ذكريات حبٍ سقته أمالنا وأحلامنا ودماء قلوبنا طيلة عامين كاملين و......

ولما خنقتها العبرة، تقوفتْ. ثم خفضت بصرها عندما شعرت بقطرات الدموع تقف على حواف مقلتيها. وما أن جفلت برموشها الغزيرة، حتى تسابقت مياه عينيها لتستقر على حذائها الرياضي الأزرق ماركة "أديداس"، فبلعت ريقها بصعوبة، وبذلت مجهودًا جبارًا لإنزال غصتها لكيلا تستسلم لرغبتها في النشيج، قبل أن ترفع رأسها لتجد جميع الوجوه تطالعها بنظرات أسىً وتعاطف.

وساد صمتٌ طويلٌ، تخللته حركات الشرطية وهي تخرج هاتفها "الآيفون" من جيب سروالها الضيق، الراسم لردفيها الممتلئين بدقةٍ، لتأخذ به صورًا لبطاقة إقامة الفتاة، قبل أن تعيده إلى مكانه في الجيب الخلفي.

وشعرت الفتاة باقتراب النهاية عندما أعادت لها الشرطية بطاقتها. فأسرعت بإدخالها في حقيبة يدها الزرقاء، دون أن تنطق بكلمة واحدة. فقد كانت مشغولة باسم عنوان الكتاب الذي ستؤلفه أثناء اقامتها في السجن، وبالمجهود الذي عليها بذله لكي تكسب ثقة السجينات لكي يحكين لها حكاياتهن، لتحولهن من سجينات بائسات إلى بطلات سعيدات يتنقلن داخل روايتها بحرية تامة دون أي قيود، ويتجولن في جميع أسواقها وشوارعها، وأهمها شارع "شَنْدي" الذي كان ذات صباحٍ شارع "شَنْزي".

وافترت شفتيها عن ابتسامة رقيقة مع تخيلها لنفسها تقلب صفحات كتابها المستقبلي بين اصابعها وتتهجي عنوانه "شَنْزِي ذات صباح-شَنْدِي ذات مساء"، وتتلمس غلافه البني الحاضن لصورة الجنرال الفرنسي ببذلته العسكرية وطربوشه الأسود، ولصورة اهرامات البَجْرَوِايَة، شمال مدينة "شندي" وهي تغوص في الرمال.

واتسعت ابتسامتها مع تماديها في الأحلام وتخيلها للفوائد التي ستجنيها من بقائها في السجن عامين كاملين، ستكتب فيهما قصصًا عن يومياتها ويوميات  حياة السجينات بطريقة شيقةً تشبه قصص أليس مونرو، وادغار ألان بو، ويوسف إدريس، ومحمد زفزاف، ومحمود تيمور، فتمسح بالكتابة أحزان الماضي، وتستعيد عافيتها النفسية، فتخرج قوية من السجن علَّ الحرب تكون قد وضعت اوزارها، فتحزم حقائب العودة النهاية إلى اليمن، علَّها تلتقي في وطنها الأم، برجلٍ يحبها ويتزوجها ويبني معها أسرة تعوضها سنوات الغربة، وفقد الأهل والأحباب والأوطان.

خرجتْ منتفضةً من أحلام يقظتها، عندما تقدمت منها الشرطية وحدجتها بنظرة حادةٍ عابسةٍ قاسيةٍ، قبل أن تأمرها بحزمٍ: 

-    كُفي عن هذا الهراء، واذهبي وابحثي لك عن معالجٍ نفسيٍّ، فما زلت شابة وأمامك مستقبل فلا تضيعيه بين أروقة السجون بتهور الركض وراء ووهمٍ يسمونه "الحُّبْ".

فوقفت الفتاة مذهولة لا تدري أتشكرهم لهذه الحرية التي أعطوها لها، أم تلموهم على اجهاضهم حلمها خوض تجربة العيش في زنزانة بعيدًا عن صحب المدينة والركض وراء لقمة العيش، وكتابة قصتها مع شارع "شَنْزِي"، وفاءً لذكرى حبيبها الأسمر سليل مدينة شَنْدِي.

ولما أفاقت من ذهولها، كان أفراد الشرطة قد ابتعدوا عنها كثيرًا. فظلتْ تراقبهم برهة وهم ينصهرون داخل حشد من البشر يحيط بساحة "جاك ديوكلو".

ثم أطلقت زفرة ارتياح، واستدارت في الاتجاه المعاكس بينما التساؤلات تتناسل في رأسها عما إذا كان "الحبُّ" حقًا وهمًا؟ أم أنه لم يطرق بعد جدران قلب تلك الفرنسية البدينة الشقراء؟

  

 **-**

تسنيم /الخرطوم 24 نوفمبر 2020

الأحد، 1 نوفمبر 2020

Au-delà du pont

 écrit par/ Tasnim TAHA

 

De sa démarche troublée, j’ai compris qu’il était nouveau, n’étant pas arrivé depuis plus d’un mois. Et à la façon dont il tournait la tête, j’ai senti qu’il était bouleversé, tout comme je l’étais en arrivant "Ici", ce sinistre jeudi du mois de mai 2016.

Jamais je n’aurais imaginé qualifier ce jour de "sinistre". Non seulement il représentait une source de joie pour moi, mais aussi pour tous les membres de notre petite famille, car c’était la date d’anniversaire de ma mère.

J’attendais avec impatience ce jour pour pratiquer mon rituel annuel favori avec elle. Chaque année, je m’asseyais à ses côtés dans notre spacieuse cuisine pour lui lire les événements historiques qui s’étaient produits le même jour que sa naissance, tandis qu’elle s’activait, telle une abeille infatigable, autour de moi : jetant un œil au four, malaxant la farine, les noix, la levure, le cacao et les autres ingrédients du gâteau. Celui-ci serait bientôt décoré de bougies, avant que mon père, mon petit frère et moi ne les soufflions tous ensemble en chantant "Joyeux anniversaire".

Ma mère adorait écouter mes récits, pas seulement le jour de son anniversaire, mais aussi les autres jours de l’année, lorsque je lui racontais ma journée à l’école avec mes copines ou mes découvertes sur un héros de la mythologie.

De son côté, elle partageait souvent les détails de ses journées avec ses voisines, qui l’accompagnaient deux fois par semaine au marché de Barbès, dans le 18 arrondissement. Mais la plupart du temps, elle se contentait de me raconter les histoires des héroïnes de ses romans préférés.

Je pouvais deviner son humeur au ton de sa voix, selon qu’elle avait lu une scène triste ou heureuse. Elle interagissait avec les personnages comme s’ils étaient réels. Ma mère adorait cuisiner. Et bien qu’elle passât la majeure partie de son temps dans la cuisine à inventer de nouvelles recettes, elle trouvait toujours un moment pour son autre passion : la lecture. Elle connaissait par cœur les titres de ses romans favoris, mais sa mémoire lui jouait des tours dès qu’il s’agissait des événements historiques que je lui racontais chaque année. Sauf pour trois dates. Quand je lui ai demandé pourquoi elle retenait celles-ci, elle m’a confié qu’elle admirait profondément les trois personnages associés à ces dates, bien qu’ils n’aient rien à voir avec la cuisine comme Tita, l’héroïne du roman Comme l’eau pour le chocolat de Laura Esquivel.

Les détails de ce roman m’ont marquée à jamais, même sans l’avoir lu. Ma mère me racontait chaque jour la souffrance de Tita, privée de son amour Pedro par des traditions cruelles. Selon ces dernières, une fille ne pouvait se marier qu’après la mort de sa mère. Pedro avait donc épousé la sœur aînée de Tita pour rester proche d’elle.

Grâce à ce roman, j’ai commencé à m’intéresser à la littérature, à scruter les noms des femmes qui avaient écrit les romans préférés de ma mère : Isabel Allende, Harriet Beecher Stowe, Jane Austen, Svetlana Alexievitch, Margaret Mitchell, Leila Aboulela, May Ziadé, Leïla Baalabaki, Samar Yazbek, Radwa Ashour, Nazik al-Mala’ika et Assia Djebar.

Et cette exploration a élargi ma culture littéraire, même si je ne connaissais de ces romans que les titres exposés sur la bibliothèque qui occupait tout le mur sud de notre salon :

La Maison aux esprits, La Case de l’oncle Tom, Orgueil et Préjugés, La Guerre n’a pas un visage de femme, Autant en emporte le vent, La Traductrice, Ténèbres et Rayons, Je vis, Un Parfum de Cannelle, Grenada, Laver le déshonneur et Les Enfants du Nouveau Monde.

Quant à l’histoire, ma mère refusait de s’y intéresser davantage, malgré mes efforts et mes récits annuels. Les trois dates qu’elle retenait ne devaient rien à une mémoire exceptionnelle, mais à son admiration pour trois personnages nés le même jour qu’elle, le 19 mai. Elle avait même noté leurs noms dans son carnet de recettes, persuadée qu’elle aurait pu être un grand leader comme eux, si elle n’était pas née fille.

Trois événements, ma mère les récitait sans hésitation.

Le premier : en 1268, Az-Zâhir Baybars, quatrième sultan d’Égypte et de Syrie de la dynastie des Mamelouks bahrites, reconquit Antioche des mains des Croisés, après 170 ans d’occupation.

Le deuxième : en 1798, la campagne militaire française, menée par Napoléon Bonaparte, se dirigea vers les États ottomans d’Égypte et de Syrie pour défendre les intérêts français et empêcher l’Angleterre d’atteindre l’Inde. L’un des effets positifs de cette campagne fut que les Égyptiens découvrirent les systèmes d’enregistrement des naissances et des décès.

Le troisième : en 1881, naquit Mustafa Kemal Atatürk, chef du mouvement national turc, vainqueur de l’armée grecque en 1922 et fondateur de la République turque laïque et démocratique.

Ce même Atatürk venait du pays de naissance d’Elif Shafak, l’auteure de Les Quarante Règles de l’Amour, mon roman préféré. Ce livre a prolongé mon séjour Ici, car je ne cessais de répéter jour et nuit la règle numéro 37 :

"Dieu est un horloger méticuleux. Son ordre est si précis que tout sur terre se produit en temps voulu. Pas une minute trop tôt, pas une minute trop tard. Pour chacun, il y a un temps pour aimer et un temps pour mourir."

J’ai croisé mes bras devant ma poitrine, une jambe posée sur l’autre, et j’ai observé le nouveau venu. Sa démarche troublée, son regard maladroit, et derrière lui, une armée de chagrins.

Depuis ma place, je me demandais dans quel groupe il allait se fondre : celui des hommes et des femmes qui n’ont jamais levé la tête depuis que je suis arrivée Ici ? Celui des vieillards qui griffaient leur visage, mêlant sang et larmes ? Ou celui des enfants dont les rires résonnaient, poursuivant une chèvre blanche qui traversait le pont, suivie d’un lapin aussi blanc ?

Quand il s’est arrêté devant le premier groupe, j’ai cru qu’il était aussi curieux que moi à mon arrivée, il y a trois ans. À l’époque, j’avais tenté d’interroger ces personnes pour savoir si elles avaient vu ma famille. En vain. J’avais appris plus tard qu’elles étaient condamnées à cette position pour avoir commis des torts par commérages et négligences, Là-bas.

Il finit par s’asseoir à l’extrémité du banc, sans me saluer. Je me contentais de le contempler, intriguée par son profil. Lorsqu’il tourna soudainement la tête vers moi, avant de regarder les enfants, j’hésitai à lui adresser la parole. Mais son trouble semblait être ailleurs, peut-être attiré par les éclats de rire des enfants traversant librement le pont.

Et moi, de nouveau, face à ma douleur et à mes lamentations, je contemplais ces enfants traverser et revenir, me remémorant cette parole du Christ : "Vous n’entrerez pas dans le royaume des cieux si vous ne devenez comme des petits enfants.".

 

 

À suivre…

 


Paris, 1/10/2020